فصل: (فرع: ما يباع فيه عقار الصبي)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: الولاية للأب إن كان عدلا]

إذا ملك الصبي مالا.. فإن الذي ينظر في ماله أبوه إذا كان عدلا، فإن عدم الأب، أو كان ممن لا يصلح للنظر.. كان النظر إلى الجد أب الأب إذا كان عدلا؛ لأنها ولاية في حق الصغير، فقدم الأب والجد فيها على غيرهما، كولاية النكاح، فإن مات الأب وأوصى إلى رجل بالنظر في مال الابن، وهناك جد يصلح للنظر.. ففيه وجهان:
المذهب: أنه لا تصح الوصية إليه، بل النظر إلى الجد.
والثاني - حكاه في "الإبانة" [ق \ 275]، وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إن النظر إلى الوصي؛ لأنه قائم مقام الأب). وليس بشيء؛ لأن الجد يستحق الولاية بالشرع، فكان أحق من الوصي.
فإن لم يكن أب ولا جد. نظر الوصي من قبلهما، فإن لم يكونا ولا وصيهما.. فهل تستحق الأم النظر؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو سعيد الإصطخري: تستحق النظر في مال ولدها؛ لأنها أحد الأبوين، فاستحقت النظر في مال الولد، كالأب.
والثاني - وهو المذهب -: أنه لا ولاية لها، بل النظر إلى السلطان؛ لأنها ولاية بالشرع، فلم تستحقها الأم، كولاية النكاح، ولأن قرابة الأم لا تتضمن تعصيبا، فلم تتضمن ولاية، كقرابة الخال.
فإذا قلنا بقول الإصطخري.. فهل يستحق أبوها وأمها الولاية عند عدمها؟ فيه وجهان، حكاهما الصيمري.

.[مسألة: لا يحق للناظرالتصرف بمال القاصر]

ولا يجوز للناظر في مال الصبي أن يعتق منه عليه، ولا أن يكاتب، ولا أن يهب، ولا أن يحابي في البيع؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]. وليس في شيء من هذه الأشياء أحسن.

.[فرع: الاتجار بمال اليتيم ونحوه]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وأحب أن يتجر الوصي بأموال من يلي عليه، ولا ضمان عليه).
وجملة ذلك: أنه يجوز للناظر في مال الصبي أن يتجر في ماله، سواء كان الناظر له أبا، أو جدا، أو وصيا، أو أمينا من قبل الحاكم؛ لما روى عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ولي يتيما، وله مال.. فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة»، ولأن ذلك أحظ للمولى عليه؛ لتكون نفقته من الربح، كما يفعل البالغون؛ هكذا قال عامة أصحابنا، إلا الصيمري، فإنه قال: لا يتجر له في هذا الزمان؛ لفساده وجور السلطان على التجار، بل يشتري له الأرض، أو ما فيه منفعة، فإن اتجر له.. لم يتجر له إلا في طريق مأمون، ولا يتجر له في البحر؛ لأنه مخوف.
فإن قيل: فقد روي: (أن عائشة أم المؤمنين أبضعت أموال بني محمد بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في البحر).
قلنا: يحتمل أن يكون ذلك في موضع مأمون قريب من الساحل، أو يحتمل أنها فعلت ذلك وجعلت ضمانه على نفسها إن هلك.
قال الصيمري: ولا يبيع له إلا بالحال، أو بالدين على ملي ثقة.

.[مسألة: جواز شراء العقار للقاصر]

ويجوز أن يبتاع له العقار؛ لأنه أقل غررا من التجارة، ولأنه ينتفع بغلته مع بقاء أصله.
قال أبو علي في "الإفصاح": ولا يشتريه إلا من ثقة أمين يؤمن جحوده في التالي، وحيلته في إفساد البيع، ولا يبتاعه في موضع قد أشرف على الهلاك بزيادة ماء، أو فتنة بين طائفتين؛ لأن في ذلك تغريرا بماله، ويجوز له أن يبنى له العقار إن احتاج إليه، إلا أن يكون الشراء أحظ له، فيشتري له ذلك.
وإذا احتاج إلى البناء.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (بنى له بالآجر والطين، ولا يبني له باللبن والجص؛ لأن اللبن يهلك، والآجر يبقى، والجص يلتزق بالآجر، فربما احتيج إلى نقض شيء من الآجر فلا يتخلص من الجص، ولأن الجص يجحف به، والطين لا يجحف به).
قلت: وهذا في البلاد التي يعز فيها وجود الحجارة، فإن كان في بلد يوجد فيها الأحجار.. كانت أولى من الآجر؛ لأنها أكثر بقاء، وأقل مونة.

.[فرع: ما يباع فيه عقار الصبي]

وإن ملك الصبي عقارا.. لم يبع عليه إلا في موضعين:
أحدهما: أن يكون به حاجة إليه، للنفقة والكسوة، وليس له غيره، ولا تفي غلته بذلك، ولا يجد من يقرضه، فيجوز بيعه.
والثاني: أن يكون له في بيعه غبطة، وهو أن تكون له شركة مع غيره، أو بجوار غيره، فيبذل له الغير بذلك أكثر من قيمته، ويؤخذ له مثل ذلك بأقل مما باع به، فيجوز له بيع العقار عليه لذلك، إذا كان له عقار قد أشرف على الهلاك بالغرق، أو بالخراب، أو بالفتنة.. فيجوز له بيعه عليه؛ لأن النظر له في ذلك البيع.
فإذا باع الأب أو الجد عليه عقارا، فرفع ذلك إلى الحاكم، وسأله إمضاءه، والإسجال له عليه.. أمضاه وأسجل له عليه؛ لأن الظاهر من حالهما أنهما لا يبيعان له إلا فيما له فيه حظ، وهل يحتاج الحاكم إلى ثبوت عدالتهما عنده؟
قال ابن الصباغ: سمعت القاضي أبا الطيب يقول: فيه وجهان:
أحدهما: لا يحتاج إلى ذلك، بل يكتفى بالعدالة الظاهرة، كما قلنا في شهود النكاح.
والثاني: يحتاج إلى ذلك لثبوت ولايتهما عنده، كما يحتاج إلى ثبوت عدالة الشهود عنده.
وأما إذا رفع الوصي، أو أمين الحاكم البيع إليه، وسأل الإسجال على بيعه وإمضاءه.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو المشهور -: أنه لا يمضى ذلك حتى تقوم عنده البينة على الحظ أن الغبطة له؛ لأن غير الأب والجد تلحقه التهمة، فلم يقبل قوله من غير بينة، بخلاف الأب والجد.
والثاني - ذكره القاضي أبو الطيب في " المجرد " -: أنه يقبل قولهما من غير بينة، كالأب والجد.
قال ابن الصباغ: وهذا له عندي وجه؛ لأنه إذا جاز لهما التجارة في ماله، فيبيعان ويشتريان، ولا يعترض الحاكم عليهما.. جاز أيضا في العقار.
فإن بلغ الصبي وادعى أن الأب أو الجد باع عليه عقاره من غير غبطة ولا حاجة، فإن أقام بينة على ما ادعاه.. حكم له به، وإن لم يقم بينة.. فالقول قول الأب أو الجد مع يمينه.
وإن باع غير الأب أو الجد عليه، كالوصي وأمين الحاكم، فلما بلغ الصبي، ادعى أنه باع عليه من غير غبطة ولا ضرورة، فإن أقام بينة.. حكم له، وإن لم يقم بينة.. لم يقبل قول الوصي والأمين من غير بينة؛ لأن التهمة تلحقه، ولهذا لا يجوز له أن يشتري مال المولى عليه من نفسه، فلم يقبل قوله من غير بينة، بخلاف الأب والجد.

.[فرع: بيع شقص الصبي]

وإن بيع شقص في شركة الصبي، فإن كان للصبي حظ في الأخذ، بأن كان له مال يريد أن يشتري له به عقارا.. أخذ له بالشفعة، وإن كان الحظ له بالترك، بأن كان لا مال له يريد أن يشتري له به، أو كان ذلك في موضع قد أشرف على الهلاك، أو بيع بأكثر من قيمته.. لم يأخذه له بالشفعة. فإن أخذ له الولي في موضع يرى له الحظ في الأخذ، فبلغ الصبي، وأراد أن يرد ما أخذ له الولي.. لم يملك ذلك؛ لأن ما فعله الولي مما فيه الحظ.. لا يملك الصبي بعد بلوغه رده.
وإن ترك الولي الأخذ له في موضع رأى الحظ له في الترك، فأراد الصبي بعد بلوغه أن يأخذه.. ففيه وجهان:
أحدهما من أصحابنا من قال: له ذلك؛ لأنه بعد بلوغه يملك التصرف فيما له فيه حظ، وفيما لا حظ له فيه.
والثاني- المنصوص -: (أنه ليس له ذلك)؛ لأن الولي قد اختار الترك بحسن نظره، فلم يكن له نقض ذلك، كما لو أخذ له، والحظ في الأخذ.. فإنه لا يملك الصبي بعد البلوغ الرد.
فإن ادعى بعد البلوغ أن الولي أخذ، والحظ في الترك، أو ترك، والحظ في الأخذ، فإن أقام بينة على ذلك.. حكم له به، وإن لم يقم بينة، فإن كان الولي أبا أو جدا.. فالقول قولهما مع يمينهما، وإن كان غيرهما من الأولياء.. لم يقبل قوله من غير بينة؛ لما ذكرناه من الفرق قبل هذا.

.[مسألة: يبع مال المحجور نسيئة]

ولا يبيع ماله بنسيئة من غير غبطة، فإن كانت له سلعة يريد بيعها، وهي تساوي مائة نقدا، ومائة وعشرين نسيئة، فإن باعها بمائة نسيئة.. لم يصح بيعها، سواء أخذ بها رهنا أو لم يأخذ؛ لأن ذلك دون ثمن المثل، وإن باعها بمائة نقدا، وبعشرين نسيئة، وأخذ بالعشرين رهنا.. جاز؛ لأنه قد زاده خيرا، وإن باعها بمائة وعشرين نسيئة، ولم يأخذ بها رهنا.. لم يجز له؛ لأنه غرر بماله، وإن باعها بمائة وعشرين نسيئة، وأخذ بالجميع رهنا.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن في ذلك تغريرا بالمال، وقد يتلف الرهن.
والثاني: يصح، وهو قول أبي إسحاق، وأكثر أصحابنا؛ لأنه مأمور بالتجارة، وطلب الربح، ولا يمكنه إلا بذلك.
فعلى هذا: يشترط أن يكون المشتري ثقة مليئا؛ لأنه إذا لم يكن ثقة.. ربما رهنه ما لا يملكه، وإذا لم يكن مليئا.. فربما تلف الرهن، فلا يمكن استيفاء الحق منه، ويشترط أن يكون الرهن يفي بالدين، أو أكثر منه؛ لأنه ربما أفلس، أو تلف ما في يده، فإذا لم يمكن استيفاء الحق من الرهن.. كان وجود الرهن كعدمه. وهل يشترط الإشهاد مع ذلك؟ فيه وجهان، حكاهما الصيمري.

.[فرع: لا يرهن مال الصبي]

قال الصيمري: ولا يجوز أن يشتري له متاعا بالدين، ويرهن من ماله؛ لأن الدين مضمون، والرهن أمانة، فإن فعل.. كان ضامنا.

.[مسألة: لا يسافر بمال الصغير]:

ولا يجوز أن يسافر بماله من غير ضرورة؛ لأن في ذلك تغريرا بالمال، وقد روي: (أن المسافر ومتاعه وماله على قلة). قلت: أي: على هلاك، فإن دعت إليه ضرورة، بأن خاف من نهب، أو غرق، أو حريق.. جاز أن يسافر به إلى حيث يأمن عليه؛ لأن ذلك موضع ضرورة.

.[مسألة: إيداع مال الصغير عند الضرورة]

فإن خاف على ماله من نهب، أو غرق، أو حريق، ولم يقدر الولي على المسافرة به، أو أراد الولي السفر إلى موضع لا يمكنه نقل المال إليه، أو يحتاج في نقله إلى مؤنة مجحفة.. جاز أن يودعه، أو يقرضه في هذه الأحوال، فإن قدر على الإيداع دون الإقراض.. أودعه ثقة، وإن قدر على الإقراض دون الإيداع.. أقرضه ثقة مليئا، وأشهد عليه؛ لأن غير الثقة يجحد، وغير المليء لا يمكن أخذ الحق منه، فإن رأى الحظ في أخذ الرهن.. أخذه، وإن رأى الحظ في ترك الرهن.. لم يأخذه، بأن يكون الموضع مخوفا، أو كان الولي ممن يرى سقوط الحق بتلف الرهن؛ لأنه لا حظ له في أخذ الرهن مع ذلك، وإن قدر على الإقراض والإيداع.. فالإقراض أولى؛ لأنه مضمون ببدل، والوديعة غير مضمونة، فإن أودع مع القدرة على الإقراض.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأن كل واحد منهما يجوز، فخير بينهما.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الإقراض أحظ له، فإذا ترك الأحظ.. ضمن.

.[فرع: الاقتراض لليتيم عند الحاجة]

فأما الاقتراض له.. فيجوز إذا دعت إلى ذلك حاجة للنفقة عليه، أو الكسوة، أو النفقة على عقاره المستهدم، إذا كان له مال غائب يتوقع وروده، أو ثمرة ينتظرها تفي بذلك، وإن لم يكن له شيء ينتظر.. فلا حظ له في الاقتراض، بل يبيع عليه شيئا من أصوله ويصرفه في نفقته.
قال ابن الصباغ: وينبغي إذا لم يجد من يقرضه، ووجد من يبيعه شيئا بنسيئة،
وكان أحظ له من بيع أصوله.. أن يجوز له أن يشتريه له، ويرهن شيئا من ماله، وكذلك إذا اقترض له، ورهن شيئا من ماله.. جاز، ولكن لا يرهن إلا عند ثقة.

.[مسألة: الإنفاق على القاصر]

وينفق عليه ويكسوه من غير إسراف، ولا إقتار؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].
وإن كان الصبي مكتسبا.. قال أبو إسحاق المروزي: أجبره الولي على الاكتساب لنفقته، وحفظ عليه ماله؛ لأن ذلك أحظ له.

.[فرع: خلط نفقة الوصي والموصى له]

فإن رأى الولي أن الحظ للمولى عليه بخلط نفقته مع نفقته، بأن كان إذا خلط دقيقه بدقيقه.. كان أرفق به في المؤنة، وأكثر له في الخبز.. جاز له الخلط؛ لما روي: أنه لما نزل قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].. تجنب أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليتامى، وأفردوهم عنهم، فنزل قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220]، أي لضيق عليكم؛ لأن (العنت): الضيق.
وإن كان الحظ له في إفراده.. لم تجز الخلطة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152].

.[فرع: اختلاف الوصي والموصى له عند الرشد]

فإن بلغ الصبي، واختلف هو والولي في قدر نفقته، فإن كان الولي أبا أو جدا، فإن ادعى أنه أنفق زيادة على النفقة بالمعروف.. لزمهما ضمان تلك الزيادة؛ لأنه مفرط، وإن ادعيا النفقة بالمعروف.. فالقول قولهما مع أيمانهما؛ لأنهما غير متهمين. وأما إذا كان الولي غيرهما، كالوصي، وأمين الحاكم، وادعيا النفقة بالمعروف.. فهل يقبل قولهما من غير بينة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يقبل قولهما من غير بينة، كما لا يقبل ذلك منهما في دعوى بيع العقار.
والثاني: يقبل قولهما مع أيمانهما.
قال ابن الصباغ: وهو الأصح؛ لأن إقامة البينة على ذلك تتعذر، بخلاف البيع، فإنه لا يتعذر عليه إقامة البينة.

.[مسألة: بيع الوصي متاعا للموصى له]

ويجوز للأب والجد أن يبيعا مالهما من الصبي، ويشتريا ماله بأنفسهما إذا رأيا الحظ له في ذلك؛ لأنهما لا يتهمان في ذلك.
قال الصيمري: فيحتاج أن يقول: قد اشتريت هذا لنفسي من ابني بكذا، وبعت ذلك عليه، فيجمع بين لفظ البيع والشراء. قال: وغلط بعض أصحابنا، فقال: تكفيه النية في ذلك من غير قول؛ لأنه لا يخاطب نفسه. وليس بشيء؛ لأنا قد أقمناه مقام المشتري في لفظ الشراء، ومقام البائع في لفظ البيع.
ولو احتاج إلى قرض، فأقرضه أبوه أو جده، وأخذ من ماله رهنا.. قال الصيمري: ففيه وجهان:
الأصح: أنه يجوز، إلا أن يكون أقرضه متطوعا، ثم أحب أن يأخذ بعد ذلك منه رهنا، فلا يكون له.
وأما غير الأب والجد من الأولياء، كالوصي، وأمين الحاكم.. فلا يجوز أن يبيع ماله من الصبي ويتولى طرفي العقد، ولا يجوز أن يشتري ماله بنفسه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يشتر الوصي من مال اليتيم»، ولأن غير الأب والجد يتهم في ذلك، فلم يجز.

.[مسألة: أكل الولي من مال اليتيم]

وإن أراد الولي أن يأكل من مال المولى عليه، فإن كان الولي غنيا.. لم يجز له أن يأكل منه، وإن كان فقيرا ويقطعه العمل على مال المولى عليه من الكسب لنفسه.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فله أن يأخذ من ماله أقل الأمرين من كفايته، أو أجرة عمله)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] إلى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]. فمعني قَوْله تَعَالَى: {وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6]، أي: لا تأكلوا أموال اليتامى مبادرة لئلا يكبروا، فيأخذوها، ولأنه يستحق ذلك بالعمل والحاجة. هكذا ذكر عامة أصحابنا.
وذكر في "المهذب": أنه إذا كان فقيرا.. جاز له الأكل من غير تفصيل. ولعله أراد بإطلاقه ما ذكر غيره. وهل يضمن الولي ما أكله بالبدل؟ فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه ضمانه في ذمته؛ لأنه استباحه للحاجة من مال غيره، فوجب عليه قضاؤه، كمن اضطر إلى طعام غيره.
والثاني: لا يجب عليه ضمانه؛ لأن الله تعالى أباح له الأكل، ولم يوجب الضمان، ولأن ذلك استحقه بعمله في ماله، فلم يلزمه رد بدله، كالمستأجر.

.[مسألة: متى يفك الحجر عن الصبي]

ولا يفك الحجر عن الصبي حتى يبلغ، ويؤنس منه الرشد؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6]. فأمر بدفع أموالهم إليهم بشرطين:
أحدهما: البلوغ، وعبر عنه ببلوغهم النكاح؛ لأنه يشتهي بالبلوغ.
والثاني: إيناس الرشد، والمراد بالإيناس: العلم بالرشد، كما قال تعالى: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص: 29] وأراد به: الرؤية
إذا ثبت هذا: فإن البلوغ يحصل بأحد خمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، وهي الإنزال، والسن، والإنبات، واثنتان تختص بهما النساء دون الرجال، وهما: الحيض والحمل.
فأما الإنزال: فمتى خرج منه المني، وهو الماء الأبيض الدافق الذي يخلق منه الولد في الجماع، أو في النوم، أو اليقظة.. فهو بلوغ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]. فلما أمر الأطفال بالاستئذان إذا احتلموا.. دل على أنهم قد بلغوا؛ لأن قبل ذلك لم يكونوا يستأذنون.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم». وروي «عن عطية القرظي: أنه قال: عرضنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمن كان محتلما، أو نبتت عانته.. قتل» فلو لم يكن بالغا.. لما قتل.
قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 276] وهل يكون الاحتلام من الصبية بلوغا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون بلوغا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وعن الصبي حتى يحتلم». فخص الصبي بالاحتلام.
والثاني - وهو طريقة أصحابنا البغداديين -: أنه بلوغ؛ لما «روت أم سليم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقالت أم المؤمنين عائشة: فضحت النساء، أويكون ذلك؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فيم الشبه؟ إذا رأت ذلك.. فلتغتسل» فأمرها بالاغتسال، فثبت أنها مكلفة.
وأما السن: فهو أن يستكمل الرجل أو المرأة خمس عشرة سنة.
وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق \ 276] وجها لبعض أصحابنا: أن البلوغ يحصل بالطعن في أول سنه الخمس عشرة سنة.
والأول أصح، وبه قال أبو يوسف، ومحمد رحمهما الله.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لا يبلغ الغلام إلا لتسع عشرة سنة). وهي رواية محمد عنه، وهو الصحيح. وفي رواية الحسن اللؤلؤي عنه: (إذا بلغ ثماني عشرة سنة، وأما الجارية: فتبلغ إذا بلغت سبع عشرة سنة).
وقال مالك، وداود: (ليس للسن حد في البلوغ).
دليلنا: ما «روى ابن عمر قال: (عرضت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام بدر، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فردني، وعرضت عليه عام أحد، وأنا ابن أربع عشر سنة، فردني، وعرضت عليه عام الخندق، وأنا ابن خمس عشر سنة، فأجازني في المقاتلة» ولا يجاز في المقاتلة إلا بالغ، فدل على ما قلناه.
وروى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استكمل الغلام خمس عشرة سنة.. كتب ما له وما عليه، وأخذت منه الحدود».
وأما الإنبات: فهو نبات الشعر القوي الذي يحتاج إلى الموسى، لا الزغب الأصفر حول الذكر، وحول الفرج، ولا يختلف المذهب: أنه إذا نبت ذلك للكافر..
حكم ببلوغه، وهل هو بلوغ فيه، أو دلالة على البلوغ؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه بلوغ في نفسه؛ لأن ما حكم به بالبلوغ.. كان بلوغا في نفسه، كالاحتلام.
والثاني: أنه ليس ببلوغ في نفسه، وإنما هو دلالة على البلوغ؛ لأن العادة جرت أنه لا يظهر إلا في وقت البلوغ.
فإذا قلنا: إنه بلوغ في حق الكافر.. كان بلوغا في حق المسلم؛ لأن ما كان بلوغا في حق الكافر.. كان بلوغا في حق المسلم، كالاحتلام.
وإذا قلنا: إنه ليس ببلوغ في حق الكافر، وإنما هو دلالة على البلوغ.. فهل يجعل ذلك دلالة في حق المسلم؟
منهم من قال: فيه وجهان، ومنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما: أنه دلالة على بلوغه؛ لأن ما كان دلالة على البلوغ في حق الكافر.. كان دلالة وعلما على البلوغ في حق المسلم، كالحمل.
والثاني: أنه لا يكون دلالة على بلوغ المسلم؛ لأنه يمكن الرجوع إلى معرفة سن المسلم؛ لأنه مولود بين المسلمين، ولا يمكن ذلك في سن الكافر، فلذلك جعل الإنبات علما على بلوغه، ولأن الإنبات قد يستدعى بالدواء قبل أوانه، فالمسلم قد يتهم بأنه قد يعالج نفسه للإنبات؛ لأنه يستفيد بذلك زوال الحجر عنه، وكمال تصرفه، وقبول شهادته، والكافر لا يتهم بذلك؛ لأنه لا يستفيد بذلك إلا وجوب القتل، وضرب الجزية. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الإنبات لا يكون بلوغا، ولا دلالة على البلوغ في حق المسلم والكافر).
دليلنا: ما «روى عطية القرظي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم سعد بن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بني قريظة، فحكم بسبي ذراريهم، ونسائهم، وقسم أموالهم، وقتل من جرت عليه الموسى، فأمر أن يكشف عن مؤتزريهم، فمن أنبت منهم.. فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت.. فهو من الذراري، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد حكمت
فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة»، يعني سبع سماوات، الواحدة منها: رقيع.
قال الصيمري: وكيف يعرف الإنبات؟ قيل: يدفع إليهم شمع أو طين رطب يلزقونه على الموضع. وقيل: يلمس ذلك من فوق ثوب ناعم. وقيل: يكشف حالا بعد حال، وهو الصحيح؛ لأن سعدا أمر بكشف بني قريظة.
وأما خضرة الشارب، ونزول العارضين، ونبات اللحية، وخشونة الحلق، وقوة الكلام، وانفراج مقدم الأنف، ونهود الثديين.. فليس شيء من ذلك بلوغا؛ لأنه قد يتقدم على البلوغ، وقد يتأخر عنه.
وأما الحيض: فهو بلوغ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة امرأة تحيض إلا بخمار». فجعلها مكلفة بوجود الحيض، فدل على أنه بلوغ.
وأما الحمل: فإنه ليس ببلوغ في نفسه، وإنما هو دلالة على البلوغ، فإذا حملت المرأة.. علمنا أنها قد خرج منها المني؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7]. قيل في التفسير: يخرج ماء الرجل من صلبه، وماء المرأة من صدرها، ولقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان: 2]، يعني: أخلاطا، فإذا وضعت المرأة الحمل.. حكمنا بأنها قد بلغت قبل الوضع بستة
أشهر إن كانت ذات زوج، أو سيد؛ لأن ذلك أقل مدة الحمل، وإن كانت مطلقة فأتت بولد، يلحق الزوج.. حكمنا أنها كانت بالغة قبل الطلاق.